ديناميات الشخصية
Personality Dynamic
تمهيد
يشير مصطلح " دينامى " أو دينامي نفسى " Psychodynamic إلى طائفة من النظريات التى تركز على أهمية الدوافع والعمليات النفسية المتغيرة أو المسببة للتغير ، أى القوى الداخلية اللاشعورية التى تتسبب في إصدار السلوك ، وتسمى كذلك أحيانا بسيكولوجية الأعمال أو اللاشعور ، والمقصود هنا النظريات التحليلية التقليدية والمحدثة والمنشقة . ولكن أول هذه النظريات وأكثرها أهمية نظرية التحليل النفسي التي وضعها "سيجموند فرويد " (S. Freud- 1939- 1856 ) والذى يمثل التحليليون التقليديون ، ثم نظرية "سوليفان" (Sullivan, 1968) والذى يمثل التحليليون المحدثون ، ونعرض فيما يلى ملخص لتلك النظريتين .
نظرية فرويد
وتتكون الشخصية من ثلاث مكونات نفسية هى : الهو ، الأنا ، الأنا الأعلى ، وفيما يلى بيان موجز لكل منها :
أ - الهو Id
هو مستودع الطاقة النفسية ، يتكون من كل ما هو موروث وكائن منذ الولادة بما في ذلك الغرائز الجنسية والعدوانية القوية الهائجة والرغبات المكبوته ، والنزعات المستهجنة ، أنه طبيعة الإنسان الحيوانية قبل أن يلحقها التهذيب ، ومن ثم فهو النفس الأمارة . والهو جانب لا شعوري عميق منقطع الصلة عن العامل الخارجي ، لا يتغير بمضى الزمن أو بمرور الخبرة ، ولا علاقة له بالمعايير أو القيم أو الأخلاق والمثل العليا والصواب والخطأ أو الخير والشر ، ولا يخضع لقوانين أو قواعد أو منطق ، فهو يسير وفق مبدأ اللذة ويبحث عنها ، ولا تراعى حاجاته مبدأ الواقع ، ولا يهمه الواقع الموضوعي . ويسيطر هذا الجانب على سلوك الطفل الصغير والمنحرف والمريض النفسي والعقلي (أحمد عبد الخالق ، 1993-ج ) .
ب - الأنا Ego
الأنا مشتق من الهو بوصفه منظمة بدائية ، ذلك أن الهو يسير وفق مبدأ اللذة ، ولكن احتكاك الطفل بالواقع ، وبتأثير من مواجهة الهو للعالم الخارجي ، ينسلخ من الهو جزء يسير وفقا لمبدأ الواقع ، وهو الأنا الذى يفكر تفكيرا موضوعيا معقولا ويتمشى مع الظروف الاجتماعية المتعارف عليها . والجزء الكبير في الأنا شعوري . والجانب الأصغر منه لا شعورى. والأنا هو الجانب المنظم من الهو .
ومن ثم يعمل الأنا على التخفيف من مطالب الهو واندفاعه ، ويعمل على ضبطه وتوجيهه ، فله إذن وظيفة توفيقية مهمة بين مطالب الهو ومتطلبات الواقع ، وبين مطالب الهو والأنا الأعلى . وتنشأ الأمراض النفسية غالبا عن الصراع بين الأنا والهو .
جـ -الأنا الأعلى Super- ego
وعلى الرغم من أن الأنا الأعلى جزء منفصل عن الأنا منسلخ منه تكون نتيجة نمو وتعديل له ، أنه مسيطر على الأنا ، والناقد الخلقى له ، والضمير اللاشعورى الذى يتحكم فيه ، والمراقب له . ووظائف الأنا الأعلى ثلاث هى : كف دفعات الهو ، اقناع الأنا باحلال الأهداف الخلقية محل الأهداف الواقعية ، العمل على بلوغ الكمال وتحقيق المثال . وتغير الأنا الأعلى أو الضمير أو الدرع الأخلاقي للشخصية أو النفس اللواحة .
ويمكننا النظر إلى الأنا على أنه المكون النفسي للشخصية ، والهو المكون البيولوجي الحيوى ، والأنا الأعلى المكون الاجتماعي الأخلاقي . وإن نجاح الأنا في التوفيق بين القوى الثلاث : الهو ، الأنا الأعلى ، الواقع ، بما يفرضه كل منها على الانسان من مطالب وضغوط ، هو السبيل إلى الصحة النفسية .
يشير لفظ " ديناميات الشخصية " إلى الطريقة التى تتغير بها الشخصية وتنمو ، كما يشير إلى الطريقة التى تتوزع بها الطاقة النفسية وتستخدم بوساطة الهو والأنا الأعلى . ذلك أن المنظمات النفسية الثلاث : الهو ، الأنا ، الأنا الأعلى - من وجهة نظر " فرويد " - تتحرك تبعا لطاقة محركة لها أو قوى تعمل على تنشيطها هى الغرائز ، فالسلوك ناتج قوى متفاعلة متحركة دافعة ، ولد الإنسان مزودا بها وهى الغرائز Instincts . وهى مفهوم يقع على الحدود بين الظواهر البيولوجية والظواهر النفسية ، فهى لا تدل على ميل بيولوجي مجاله الجسم ، بل على هذا الميل من حيث هو موضوع خبرة نفسية .
وتكون جميع الغرائز المجموع الكلي للطاقة النفسية المتاحة للشخصية ، ويختزن الهو هذه الطاقة ، كما أنه مركز الغرائز ومستقرها . وتستمد هذه الطاقة من عمليات الأيض . الغرائز إذن هى الاثارة العصبية الفيزيولوجية . ويفترض فرويد وجود مجموعتين متعارضتين من الغرائز : الحياة والموت . تهدف غرائز الحياة أو الحب إلى تحقيق البقاء : الذات والنوع وتدفع الإنسان إلى البناء والحب ، والحب هنا ليس الحب الجنسي فقط بل هو " كل الحياة الحبية للأفراد " من حب الذات والزوج والأطفال والوالدين ، وحب مبادئ وأنشطة معينة ، بل حتى الصداقة والولاء للموضوعات الحسية والأفكار المجردة ، وحب الإنسانية جمعاء . وتدفع غرائز الموت إلى التدمير والعدوان والحرب وإلى كل ما من شأنه أن يقربنا من الموت والفناء ، وحيث أن الهدف الأخير لكل كائن حى هو الرجوع إلى الحالة غير العضوية ذلك يفترض فرويد وجود دافع غريزي لدى الكائن الحي للرجوع إلى المادة الأولى الجامدة وغير الحية . وبما أن كل حي يموت نتيجة لأسباب داخلية ، أى يعود إلى المادة الجامدة ، إذن " فالموت غاية كل حى ".
ولما كانت الغرائز تتضمن جميع الطاقة التى تستخدمها أنظمة الشخصية الثلاث في القيام بعملها تقوم ديناميات الشخصية [b]على كيفية توزيع واستخدام الهو والأنا والأنا الأعلى للطاقة النفسية . ولما كان مقدار الطاقة محدود الكمية فأن الأنظمة الثلاث تتنافس فيما بينها على الطاقة الموجودة . ويتحكم واحد منها في كمية الطاقة الموجودة ويسيطر عليها على حساب النظامين الآخرين . وما أن تتزايد قوة أحد هذه الأنظمة حتى يصبح النظامان الآخــران - بالضرورة - أضعف ما لم يضف إلى النظام الكلى طاقة جديدة ( هول ، لندزى : 1971 -63) .
والأصل أن يمتلك الهو الطاقة كلها وأن يستخدمها في الفعل المنعكس وفي تحقيق الرغبة بوساطة العملية الأولى . ويعمل هذان النوعان من النشاط في خدمة مبدأ اللذة الذى يعمل الهو بمقتضاه بصورة مباشرة . ويطلق على استثمار الطاقة في فعل أو في صورة من شأنها اشباع الغريزة اصطلاح " اختيار غريزى للموضوع ".
ولما كان الأنا يفتقر إلى أى مصدر للقوة خاص به ، فان عليه أن يستعيرها من الهو . ويصاحب انتقال الطاقة من الهو إلى العمليات التى تكون الأنا ميكانيزم يعرف بأسم التعيين . ونستطيع أن نتذكر مما سبق . فشحن صورة موضوع ما بالطاقة مماثل لشحن الموضوع ذاته . ولكن طالما أن الصورة الذهنية لا تستطيع اشباع الحاجة فأن الشخص يصبح مضطرا إلى التفرقة بين عالم العقل والعالم الخارجي . وعلى ذلك فلكي يستطيع الشخص أشباع حاجته يجب عليه أن يتعلم المضاهات بين ما في ذهنه وما يقابله فى العالم الخارجي بوساطة العملية الثانوية . وهذه المضاهاة بين تصور ذهنى وواقع مادى ، بين شىء في الذهن وشىء فى العالم الخارجي هو ما يقصد بالتعيين .
ولما كان الهو لا يفرق بين أى محتويات العقل ، فقد تكون شحنة خاصة بادراك واقعي بنفس السهولة التى تتكون بها شحنة صورة من ذاكرة مشبعة لرغبة ما . وبهذه الطريقة تتحول الطاقة من العمليات السيكولوجية الاجترارية الذاتية الخالصة التى تميز الهو ، إلى العمليات الواقعية الموضوعية الفكرية التى تميز الأنا ، وفي كلتا الحالتين يكون استخدام الطاقة مقصورا على الأغراض السيكولوجية الخالصة فقط . أما في حالة الأنا فتحدث هذه التفرقة .
إن الأنا ما أن يستحوذ على قدر كاف من الطاقة ، حتى يستطيع استخدامها في أغراض أخرى غير أشباع الغرائز بوساطة العملية الثانوية فبعض هذه الطاقة يستخدم في تحقيق مستوى أعلى من التنمية لمختلف العمليات السيكولوجية كالادراك والتذكر والحكم والتمييز ، والتجريد ، والتعميم والاستدلال المنطقي . كما يستخدم الأنا قدراً من الطاقة لكبح جماح الهو كى لا يتصرف باندفاع ودون مراعاة للتعقل .
إن العمل الذى يقو به الأنا الأعلى يتعارض كثيراً ، ولكن ليس دائما بصورة مباشرة ودفعات الهو وسبب هذا الأمر إن المعايير الاخلاقية تمثل محاولة المجتمع التحكم ، بل وربما كف ، التعبير عن الدفعات البدائية . وبخاصة العدوانية والجنسية منها . فعادة ما يعنى كون المرء طيبا ، أنه مطيع لا يقول ولا يفعل أشياء "قذرة " كما يعنى كونه شريرا أنه غير مطيع ومستسلم لشهواته . إن الشخص الفاضل يكف دفعاته أما الآثم فيسرف فيها . الا أن الأنا الأعلى قد يفسده الهو أحيانا ويحدث هذا ، مثلا ، عندما يندفع الشخص فى نوبة من الحماس الأخلاقي . في أعمال عدوانية حيال من يعتبرهم أشرار آثمين .
وما أن تتحول طاقات الغرائز إلى مسارات الأنا والأنا الأعلى بوساطة عملية التعيين حتى يصبح ممكنا التشابك والتفاعل المركب بين القوى المحركة والقوى الكابحة ، المقيدة . ونستطيع أن نتذكر أن الهو يحتوى فقط على قوى محركة أو شحنات ، أما طاقة الأنا والأنا الأعلى فأنها تستخدم لاثابة أهداف الغرائز كما تستخدم لاحباطها ، إن على الأنا أن يضبط كلا من الهو والأنا الأعلى .
إن ديناميات الشخصية [b]تقوم في نهاية المطاف إلى تفاعل وتشابك القوى الدافعة والشحنات والقوى المقيدة الكابحة والشحنات المضادة وجميع الصراعات في الشخصية يمكن إرجاعها إلى تعارض هاتين المجموعتين من القوى . فكل توتر يطول يجرع إلى فعل مضاد لقوى دافعة من جانب وقوى كابحة . وسواء كانت هذه القوى شحنات الأنا المضادة المعارضة لشحنات الهو أو الشحنات المضادة للأنا الأعلى المعارضة لشحنات الأنا فإن النتيجة فيما يتعلق بالتوتر تظل واحدة .
ويقوم نظام عمل الشخصية على الفكرة القائلة بأن لدى الفرد دوافع فطرية دائمة العمل والنشاط الاجتماعي لتحقيق حاجات (الهو) ورغباتها ومحاولة أرضائها بطريقة عملية في اطار الوسط الاجتماعي . ولا تعمل البيئة كمصدر لتحقيق تلك الحاجات فقط ، ولكنها قد تعمل أحيانا كمصدر ألم وتهديد للفرد أيضا عن طريق بعض مثيراتها التى لا يمكن للفرد مقاومتها والتحكم فيها أو التغلب عليها ، مما قد ينتج عنه بعض الاضطرابات النفسية مما يجعل الفرد فى حالة خوف وقلق دائمين . وقد أشار فرويد إلى ثلاثة أنواع من القلق هى : القلق الواقعي ، والقلق العصابي ، والقلق الأخلاقي .
أولا - القلق الواقعي :
ويشير إلى الخوف من أخطار واقعية وحقيقية يمكن توقع حدوثها في أى وقت من مصدر من مصادر البيئة المحيطة بالفرد ، مثل الخوف من عقاب الأهل ، أو الخوف من الاقتراب من بعض الطيور أو الحيوانات أو الأشياء الأخرى ، وما شابه ذلك وهذا النوع من القلق الطبيعي يظهر كاستجابة طبيعية ومتوقعة للتعبير عن المخاوف التى تتهدد الفرد ، كما يعتبر هو مصدر القلق العصابي والقلق الخلقي .
ثانيا : القلق العصابي :
ويتمثل هذا النوع من القلق في خوف الفرد من فقدان السيطرة على دوافعه ورغباته التى قد توقعه في الأخطاء وتؤدي به إما إلى تلقي العقاب أو الشعور بالالم فضلا عن الخوف الدائم دون وجود مبرر ومثال على ذلك القلق الشديد المرتبط بالخوف من عبور الشارع على انفراد ، والخوف من الأماكن العالية ، والخوف من ركوب وسائل نقل معينة ، والخوف من ممارسة عمل معين أو الاقتراب من جهاز أو آلة بشكل غير معقول . ويعتبر هذا النوع من القلق سببا أساسيا لمعظم الأمراض النفسية .
ثالثا : القلق الأخلاقي :
ويتمثل في الشعور بتأنيب الضمير بدرجة عالية ، وبخاصة حينما يفكر الشخص في أمر يخالف قيم المجتمع وتعاليمه أو حينما يقدم على ارتكاب فعل يتعارض مع مبادئه الدينية أو الاجتماعية أو التربوية . ويعمل القلق فى هذه الحالة على تحذير الفرد من المخاطر المقدم عليها والنتائج التى سوف تترتب على سلوكه حتى يقوم (الأنا) بتدارك الأمر ومعالجة الموقف بما يستحقه من اهتمام قبل أن يفلت منها الزمام . وفي حالة ارتفاع حدة الشعور بالقلق إلى المستوى الذى لا يمكن احتماله بحيث يصبح خطرا على الصحة النفسية ، فقد تقوم الأنا إما بتدبير أمر الهروب من الموقف وعدم مواجهته عن طريق وسائل الدفاع النفسية ، أو العمل على كف الأفكار المسببة للقلق بطريقة أو آخرى . وقد يخضع الأنا للأمر الواقع متمشية في ذلك مع مبدأ الواقعية ، فتحقق ما يمليه عليها الضمير وما تفرضه القيم والمبادئ والمتطلبات الاجتماعية (رمضان القذافي ، 1993 :92) .
إن وظيفة القلق هى تحذير الشخص من خطر وشيك الوقوع إنها إشارة للأنا مؤداها أنه ما لم تتخذ اجراءات مناسبة فأن الخطر قد يتزايد حتى يقهر الأنا . إن القلق حالة من التوتر ينشأ أساسا بفعل أسباب خارجة ويدفع الشخص إلى القيام بشيء ما ، فقد يهرب من المنطقة التى تهدده ، أو يكف الدفعة الخطرة ، أو يطيع صوت الضمير .
ويطلق على القلق الذى لا يمكن معالجته بالطرق المجدية اصطلاح "صدمى" فهو يؤدي بالشخص إلى حالة عجز طفلى .. والحقيقة أن النمط الأول لكل الأنواع اللاحقة من القلق هو صدمة الميلاد . إن الوليد في حاجة إلى بيئة تتولى حمايته حتى يجد أمامه فرصة النمو إلى الدرجة التى يستطيع معها السيطرة على المنبهات القوية الصادرة من البيئة . وعندما يعجز الأنا عن معالجة القلق بالطرق المنطقية فأن عليه أن يرتد إلى طرق غير واقعية . وهذه هى ما يطلق عليها اسم ميكانيزمات الدفاع ووسائل الدفاع النفسي التى يستخدمها الأنا والتى سنناقشها في الجزء التالي[/b][/b] .
Personality Dynamic
تمهيد
يشير مصطلح " دينامى " أو دينامي نفسى " Psychodynamic إلى طائفة من النظريات التى تركز على أهمية الدوافع والعمليات النفسية المتغيرة أو المسببة للتغير ، أى القوى الداخلية اللاشعورية التى تتسبب في إصدار السلوك ، وتسمى كذلك أحيانا بسيكولوجية الأعمال أو اللاشعور ، والمقصود هنا النظريات التحليلية التقليدية والمحدثة والمنشقة . ولكن أول هذه النظريات وأكثرها أهمية نظرية التحليل النفسي التي وضعها "سيجموند فرويد " (S. Freud- 1939- 1856 ) والذى يمثل التحليليون التقليديون ، ثم نظرية "سوليفان" (Sullivan, 1968) والذى يمثل التحليليون المحدثون ، ونعرض فيما يلى ملخص لتلك النظريتين .
نظرية فرويد
وتتكون الشخصية من ثلاث مكونات نفسية هى : الهو ، الأنا ، الأنا الأعلى ، وفيما يلى بيان موجز لكل منها :
أ - الهو Id
هو مستودع الطاقة النفسية ، يتكون من كل ما هو موروث وكائن منذ الولادة بما في ذلك الغرائز الجنسية والعدوانية القوية الهائجة والرغبات المكبوته ، والنزعات المستهجنة ، أنه طبيعة الإنسان الحيوانية قبل أن يلحقها التهذيب ، ومن ثم فهو النفس الأمارة . والهو جانب لا شعوري عميق منقطع الصلة عن العامل الخارجي ، لا يتغير بمضى الزمن أو بمرور الخبرة ، ولا علاقة له بالمعايير أو القيم أو الأخلاق والمثل العليا والصواب والخطأ أو الخير والشر ، ولا يخضع لقوانين أو قواعد أو منطق ، فهو يسير وفق مبدأ اللذة ويبحث عنها ، ولا تراعى حاجاته مبدأ الواقع ، ولا يهمه الواقع الموضوعي . ويسيطر هذا الجانب على سلوك الطفل الصغير والمنحرف والمريض النفسي والعقلي (أحمد عبد الخالق ، 1993-ج ) .
ب - الأنا Ego
الأنا مشتق من الهو بوصفه منظمة بدائية ، ذلك أن الهو يسير وفق مبدأ اللذة ، ولكن احتكاك الطفل بالواقع ، وبتأثير من مواجهة الهو للعالم الخارجي ، ينسلخ من الهو جزء يسير وفقا لمبدأ الواقع ، وهو الأنا الذى يفكر تفكيرا موضوعيا معقولا ويتمشى مع الظروف الاجتماعية المتعارف عليها . والجزء الكبير في الأنا شعوري . والجانب الأصغر منه لا شعورى. والأنا هو الجانب المنظم من الهو .
ومن ثم يعمل الأنا على التخفيف من مطالب الهو واندفاعه ، ويعمل على ضبطه وتوجيهه ، فله إذن وظيفة توفيقية مهمة بين مطالب الهو ومتطلبات الواقع ، وبين مطالب الهو والأنا الأعلى . وتنشأ الأمراض النفسية غالبا عن الصراع بين الأنا والهو .
جـ -الأنا الأعلى Super- ego
وعلى الرغم من أن الأنا الأعلى جزء منفصل عن الأنا منسلخ منه تكون نتيجة نمو وتعديل له ، أنه مسيطر على الأنا ، والناقد الخلقى له ، والضمير اللاشعورى الذى يتحكم فيه ، والمراقب له . ووظائف الأنا الأعلى ثلاث هى : كف دفعات الهو ، اقناع الأنا باحلال الأهداف الخلقية محل الأهداف الواقعية ، العمل على بلوغ الكمال وتحقيق المثال . وتغير الأنا الأعلى أو الضمير أو الدرع الأخلاقي للشخصية أو النفس اللواحة .
ويمكننا النظر إلى الأنا على أنه المكون النفسي للشخصية ، والهو المكون البيولوجي الحيوى ، والأنا الأعلى المكون الاجتماعي الأخلاقي . وإن نجاح الأنا في التوفيق بين القوى الثلاث : الهو ، الأنا الأعلى ، الواقع ، بما يفرضه كل منها على الانسان من مطالب وضغوط ، هو السبيل إلى الصحة النفسية .
يشير لفظ " ديناميات الشخصية " إلى الطريقة التى تتغير بها الشخصية وتنمو ، كما يشير إلى الطريقة التى تتوزع بها الطاقة النفسية وتستخدم بوساطة الهو والأنا الأعلى . ذلك أن المنظمات النفسية الثلاث : الهو ، الأنا ، الأنا الأعلى - من وجهة نظر " فرويد " - تتحرك تبعا لطاقة محركة لها أو قوى تعمل على تنشيطها هى الغرائز ، فالسلوك ناتج قوى متفاعلة متحركة دافعة ، ولد الإنسان مزودا بها وهى الغرائز Instincts . وهى مفهوم يقع على الحدود بين الظواهر البيولوجية والظواهر النفسية ، فهى لا تدل على ميل بيولوجي مجاله الجسم ، بل على هذا الميل من حيث هو موضوع خبرة نفسية .
وتكون جميع الغرائز المجموع الكلي للطاقة النفسية المتاحة للشخصية ، ويختزن الهو هذه الطاقة ، كما أنه مركز الغرائز ومستقرها . وتستمد هذه الطاقة من عمليات الأيض . الغرائز إذن هى الاثارة العصبية الفيزيولوجية . ويفترض فرويد وجود مجموعتين متعارضتين من الغرائز : الحياة والموت . تهدف غرائز الحياة أو الحب إلى تحقيق البقاء : الذات والنوع وتدفع الإنسان إلى البناء والحب ، والحب هنا ليس الحب الجنسي فقط بل هو " كل الحياة الحبية للأفراد " من حب الذات والزوج والأطفال والوالدين ، وحب مبادئ وأنشطة معينة ، بل حتى الصداقة والولاء للموضوعات الحسية والأفكار المجردة ، وحب الإنسانية جمعاء . وتدفع غرائز الموت إلى التدمير والعدوان والحرب وإلى كل ما من شأنه أن يقربنا من الموت والفناء ، وحيث أن الهدف الأخير لكل كائن حى هو الرجوع إلى الحالة غير العضوية ذلك يفترض فرويد وجود دافع غريزي لدى الكائن الحي للرجوع إلى المادة الأولى الجامدة وغير الحية . وبما أن كل حي يموت نتيجة لأسباب داخلية ، أى يعود إلى المادة الجامدة ، إذن " فالموت غاية كل حى ".
ولما كانت الغرائز تتضمن جميع الطاقة التى تستخدمها أنظمة الشخصية الثلاث في القيام بعملها تقوم ديناميات الشخصية [b]على كيفية توزيع واستخدام الهو والأنا والأنا الأعلى للطاقة النفسية . ولما كان مقدار الطاقة محدود الكمية فأن الأنظمة الثلاث تتنافس فيما بينها على الطاقة الموجودة . ويتحكم واحد منها في كمية الطاقة الموجودة ويسيطر عليها على حساب النظامين الآخرين . وما أن تتزايد قوة أحد هذه الأنظمة حتى يصبح النظامان الآخــران - بالضرورة - أضعف ما لم يضف إلى النظام الكلى طاقة جديدة ( هول ، لندزى : 1971 -63) .
والأصل أن يمتلك الهو الطاقة كلها وأن يستخدمها في الفعل المنعكس وفي تحقيق الرغبة بوساطة العملية الأولى . ويعمل هذان النوعان من النشاط في خدمة مبدأ اللذة الذى يعمل الهو بمقتضاه بصورة مباشرة . ويطلق على استثمار الطاقة في فعل أو في صورة من شأنها اشباع الغريزة اصطلاح " اختيار غريزى للموضوع ".
ولما كان الأنا يفتقر إلى أى مصدر للقوة خاص به ، فان عليه أن يستعيرها من الهو . ويصاحب انتقال الطاقة من الهو إلى العمليات التى تكون الأنا ميكانيزم يعرف بأسم التعيين . ونستطيع أن نتذكر مما سبق . فشحن صورة موضوع ما بالطاقة مماثل لشحن الموضوع ذاته . ولكن طالما أن الصورة الذهنية لا تستطيع اشباع الحاجة فأن الشخص يصبح مضطرا إلى التفرقة بين عالم العقل والعالم الخارجي . وعلى ذلك فلكي يستطيع الشخص أشباع حاجته يجب عليه أن يتعلم المضاهات بين ما في ذهنه وما يقابله فى العالم الخارجي بوساطة العملية الثانوية . وهذه المضاهاة بين تصور ذهنى وواقع مادى ، بين شىء في الذهن وشىء فى العالم الخارجي هو ما يقصد بالتعيين .
ولما كان الهو لا يفرق بين أى محتويات العقل ، فقد تكون شحنة خاصة بادراك واقعي بنفس السهولة التى تتكون بها شحنة صورة من ذاكرة مشبعة لرغبة ما . وبهذه الطريقة تتحول الطاقة من العمليات السيكولوجية الاجترارية الذاتية الخالصة التى تميز الهو ، إلى العمليات الواقعية الموضوعية الفكرية التى تميز الأنا ، وفي كلتا الحالتين يكون استخدام الطاقة مقصورا على الأغراض السيكولوجية الخالصة فقط . أما في حالة الأنا فتحدث هذه التفرقة .
إن الأنا ما أن يستحوذ على قدر كاف من الطاقة ، حتى يستطيع استخدامها في أغراض أخرى غير أشباع الغرائز بوساطة العملية الثانوية فبعض هذه الطاقة يستخدم في تحقيق مستوى أعلى من التنمية لمختلف العمليات السيكولوجية كالادراك والتذكر والحكم والتمييز ، والتجريد ، والتعميم والاستدلال المنطقي . كما يستخدم الأنا قدراً من الطاقة لكبح جماح الهو كى لا يتصرف باندفاع ودون مراعاة للتعقل .
إن العمل الذى يقو به الأنا الأعلى يتعارض كثيراً ، ولكن ليس دائما بصورة مباشرة ودفعات الهو وسبب هذا الأمر إن المعايير الاخلاقية تمثل محاولة المجتمع التحكم ، بل وربما كف ، التعبير عن الدفعات البدائية . وبخاصة العدوانية والجنسية منها . فعادة ما يعنى كون المرء طيبا ، أنه مطيع لا يقول ولا يفعل أشياء "قذرة " كما يعنى كونه شريرا أنه غير مطيع ومستسلم لشهواته . إن الشخص الفاضل يكف دفعاته أما الآثم فيسرف فيها . الا أن الأنا الأعلى قد يفسده الهو أحيانا ويحدث هذا ، مثلا ، عندما يندفع الشخص فى نوبة من الحماس الأخلاقي . في أعمال عدوانية حيال من يعتبرهم أشرار آثمين .
وما أن تتحول طاقات الغرائز إلى مسارات الأنا والأنا الأعلى بوساطة عملية التعيين حتى يصبح ممكنا التشابك والتفاعل المركب بين القوى المحركة والقوى الكابحة ، المقيدة . ونستطيع أن نتذكر أن الهو يحتوى فقط على قوى محركة أو شحنات ، أما طاقة الأنا والأنا الأعلى فأنها تستخدم لاثابة أهداف الغرائز كما تستخدم لاحباطها ، إن على الأنا أن يضبط كلا من الهو والأنا الأعلى .
إن ديناميات الشخصية [b]تقوم في نهاية المطاف إلى تفاعل وتشابك القوى الدافعة والشحنات والقوى المقيدة الكابحة والشحنات المضادة وجميع الصراعات في الشخصية يمكن إرجاعها إلى تعارض هاتين المجموعتين من القوى . فكل توتر يطول يجرع إلى فعل مضاد لقوى دافعة من جانب وقوى كابحة . وسواء كانت هذه القوى شحنات الأنا المضادة المعارضة لشحنات الهو أو الشحنات المضادة للأنا الأعلى المعارضة لشحنات الأنا فإن النتيجة فيما يتعلق بالتوتر تظل واحدة .
ويقوم نظام عمل الشخصية على الفكرة القائلة بأن لدى الفرد دوافع فطرية دائمة العمل والنشاط الاجتماعي لتحقيق حاجات (الهو) ورغباتها ومحاولة أرضائها بطريقة عملية في اطار الوسط الاجتماعي . ولا تعمل البيئة كمصدر لتحقيق تلك الحاجات فقط ، ولكنها قد تعمل أحيانا كمصدر ألم وتهديد للفرد أيضا عن طريق بعض مثيراتها التى لا يمكن للفرد مقاومتها والتحكم فيها أو التغلب عليها ، مما قد ينتج عنه بعض الاضطرابات النفسية مما يجعل الفرد فى حالة خوف وقلق دائمين . وقد أشار فرويد إلى ثلاثة أنواع من القلق هى : القلق الواقعي ، والقلق العصابي ، والقلق الأخلاقي .
أولا - القلق الواقعي :
ويشير إلى الخوف من أخطار واقعية وحقيقية يمكن توقع حدوثها في أى وقت من مصدر من مصادر البيئة المحيطة بالفرد ، مثل الخوف من عقاب الأهل ، أو الخوف من الاقتراب من بعض الطيور أو الحيوانات أو الأشياء الأخرى ، وما شابه ذلك وهذا النوع من القلق الطبيعي يظهر كاستجابة طبيعية ومتوقعة للتعبير عن المخاوف التى تتهدد الفرد ، كما يعتبر هو مصدر القلق العصابي والقلق الخلقي .
ثانيا : القلق العصابي :
ويتمثل هذا النوع من القلق في خوف الفرد من فقدان السيطرة على دوافعه ورغباته التى قد توقعه في الأخطاء وتؤدي به إما إلى تلقي العقاب أو الشعور بالالم فضلا عن الخوف الدائم دون وجود مبرر ومثال على ذلك القلق الشديد المرتبط بالخوف من عبور الشارع على انفراد ، والخوف من الأماكن العالية ، والخوف من ركوب وسائل نقل معينة ، والخوف من ممارسة عمل معين أو الاقتراب من جهاز أو آلة بشكل غير معقول . ويعتبر هذا النوع من القلق سببا أساسيا لمعظم الأمراض النفسية .
ثالثا : القلق الأخلاقي :
ويتمثل في الشعور بتأنيب الضمير بدرجة عالية ، وبخاصة حينما يفكر الشخص في أمر يخالف قيم المجتمع وتعاليمه أو حينما يقدم على ارتكاب فعل يتعارض مع مبادئه الدينية أو الاجتماعية أو التربوية . ويعمل القلق فى هذه الحالة على تحذير الفرد من المخاطر المقدم عليها والنتائج التى سوف تترتب على سلوكه حتى يقوم (الأنا) بتدارك الأمر ومعالجة الموقف بما يستحقه من اهتمام قبل أن يفلت منها الزمام . وفي حالة ارتفاع حدة الشعور بالقلق إلى المستوى الذى لا يمكن احتماله بحيث يصبح خطرا على الصحة النفسية ، فقد تقوم الأنا إما بتدبير أمر الهروب من الموقف وعدم مواجهته عن طريق وسائل الدفاع النفسية ، أو العمل على كف الأفكار المسببة للقلق بطريقة أو آخرى . وقد يخضع الأنا للأمر الواقع متمشية في ذلك مع مبدأ الواقعية ، فتحقق ما يمليه عليها الضمير وما تفرضه القيم والمبادئ والمتطلبات الاجتماعية (رمضان القذافي ، 1993 :92) .
إن وظيفة القلق هى تحذير الشخص من خطر وشيك الوقوع إنها إشارة للأنا مؤداها أنه ما لم تتخذ اجراءات مناسبة فأن الخطر قد يتزايد حتى يقهر الأنا . إن القلق حالة من التوتر ينشأ أساسا بفعل أسباب خارجة ويدفع الشخص إلى القيام بشيء ما ، فقد يهرب من المنطقة التى تهدده ، أو يكف الدفعة الخطرة ، أو يطيع صوت الضمير .
ويطلق على القلق الذى لا يمكن معالجته بالطرق المجدية اصطلاح "صدمى" فهو يؤدي بالشخص إلى حالة عجز طفلى .. والحقيقة أن النمط الأول لكل الأنواع اللاحقة من القلق هو صدمة الميلاد . إن الوليد في حاجة إلى بيئة تتولى حمايته حتى يجد أمامه فرصة النمو إلى الدرجة التى يستطيع معها السيطرة على المنبهات القوية الصادرة من البيئة . وعندما يعجز الأنا عن معالجة القلق بالطرق المنطقية فأن عليه أن يرتد إلى طرق غير واقعية . وهذه هى ما يطلق عليها اسم ميكانيزمات الدفاع ووسائل الدفاع النفسي التى يستخدمها الأنا والتى سنناقشها في الجزء التالي[/b][/b] .
الثلاثاء مارس 12, 2013 12:53 pm من طرف ahmed.zako
» مكتبة البحث العلمي >> لخدمة الباحث في تصميم ومنهجية البحث وتفيد جميع الباحثين من دبلوم وماجستير ودكتوراة
الثلاثاء أكتوبر 23, 2012 11:00 pm من طرف Admin
» مقاييس_النزعة_المركزية.doc
الأحد مايو 13, 2012 7:09 am من طرف Admin
» الوسواس القهري
الجمعة أبريل 20, 2012 10:40 am من طرف Admin
» علامات الصحة النفسية ومظاهرها
الجمعة أبريل 20, 2012 10:16 am من طرف Admin
» خصائص النمو المعرفي / اللغوي لدى الأطفال العاديين وذوي الاحتياجات الخاصة
الجمعة أبريل 20, 2012 7:29 am من طرف Admin
» افتراضات بياجية الأساسية :-
الجمعة أبريل 20, 2012 7:26 am من طرف Admin
» النمو المعرفي واللغوي عند الطفل
الجمعة أبريل 20, 2012 7:24 am من طرف Admin
» قبعات التفكير الستة
الجمعة أبريل 20, 2012 7:05 am من طرف Admin